Picture of the author
Picture of the author
Picture of the author

الكاتب: الأستاذة رنا راشد

نشر في: يوليو 13, 2025

العطلة الصيفية ما بين اقتصاد الوفرة وترند الكركم

في عصر تتسارع فيه التغيرات المعرفية وتتجه فيه المجتمعات نحو اقتصاد المعرفة، لم يعد تعلم العلوم أمرًا تقليديًا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل أصبح أداة حيوية لإعداد جيل قادر على الإبداع والابتكار والمنافسة، ومع حلول العطلة الصيفية تبرز فرصة ثمينة تتجاوز كونها فترة راحة لتتحول إلى مساحة خصبة لتوظيف الوقت في أنشطة علمية مرنة تعزز من مهارات التفكير الناقد والتحليل والبحث والاستقصاء، وتربط المعرفة النظرية بحياة الطلبة اليومية، إذ يمكنهم التحول من متلقين للمعرفة  إلى صانعين لها، يبدعون محتوى علميًا رقميًا، ويخوضون تجارب ذاتية مدعومة بمنصات وتطبيقات تعليمية متوفرة للجميع تنسجم مع مفاهيم اقتصاد المعرفة حيث لا تقاس الثروة بالمادة بل بقدرة الفرد على توليد المعرفة وتوظيفها.

 

ترند الكركم كمدخل لتعلم العلوم

 

من بين الظواهر الرقمية التي يمكن استثمارها تربويًا ترند تجربة  الكركم، وهي تجربة بسيطة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقوم على ملاحظة تفاعل مسحوق الكركم مع الماء أو المواد القاعدية، وقد تبدو لأول وهلة مجرد ترفيه بصري، لكنها تحمل في جوهرها إمكانات كبيرة لتعلم مفاهيم علمية حقيقية مثل خاصية الانتشار والتغيرات الكيميائية، فعند خلط الكركم بالماء البارد أو الساخن يُلاحظ أنه ينتشر تلقائيًا دون تحريك، ويُظهر تغير لونه تدريجيًا، وهي فرصة لشرح مفهوم الانتشار وهو حركة الجزيئات من منطقة تركيز عالٍ إلى منطقة تركيز منخفض حتى يتساوى التركيز، كما يمكن مقارنة سرعة الانتشار بحسب درجة حرارة الماء لفهم أثر الحرارة على حركة الجزيئات، إن هذا النشاط البسيط يعكس كيف يمكن تحويل لحظة دهشة شعبية إلى تجربة علمية مدروسة، تربط الطالب ببيئته وتساعده على تفسير الظواهر المحيطة به بطريقة علمية تطبيقية.

 

 

وعند توظيف هذه الظواهر الرقمية بشكل تربوي، يمكن تنمية مهارات متعددة لدى الطالب منها التفكير الناقد الذي يساعده على التمييز بين الرأي والحقيقة وفحص الأدلة ومصادرها، إضافة إلى تنمية مهارات التواصل العلمي من خلال تبسيط المعلومة وإعادة عرضها بطريقة واضحة وموضوعية، فيتعلم الطالب أن يكون مستهلكًا واعيًا ومصدرًا مسؤولًا للمعرفة، وتصبح كل ظاهرة رقمية أو ترند فرصة تعليمية حقيقية تغذي عقله وتنمي وعيه، ومن هنا تأتي أهمية توجيه هذا الفضول الرقمي ونستثمره لبناء عقول ناقدة ومبدعة. وفي ظل التحولات الرقمية، تتاح فرصة إبداعية للمعلم لمشاركة ولي الأمر في أنشطة صيفية تفاعلية تنبثق من هذه الترندات الرقمية وتعزز دور الأسره في تعلم أبنائها وبناتها. 

 

ومن هذه الأفكار:

 

مشروع مطبخ العلوم:

 

ربط المفاهيم العلمية بالحياة اليومية من خلال تجربة عملية تُظهر التفاعل الكيميائي بين الحمض والقاعدة، وتنمية مهارات الملاحظة والتفسير. 

 

المواد: خل، صودا الخبز، كوب زجاجي أو وعاء صغير، ملعقة، ورق ملاحظات.

 

طريقة التنفيذ:

 

•    يضع الطالب كمية صغيرة من صودا الخبز في الكوب

 •    يضيف كمية مناسبة من الخل تدريجياً. يلاحظ فوران وغاز ثاني أكسيد الكربون المتصاعد نتيجة التفاعل الكيميائي بين الخل (حمض) وصودا الخبز (قاعدة).

 •    يدون ملاحظاته حول حجم الفقاعات، سرعة التفاعل، وتأثير كمية المواد المستخدمة.

 •    يُصور الطالب التجربة فيديو قصير يشرح فيه خطواتها وما يراه

 •    يرسل الفيديو عبر منصة مثل Flipgrid أو Padlet  أو مجموعة الواتس آب لمشاركة المعلم والزملاء

 

 

 مشروع : بودكاست العائلة والعلم

 

الهدف: تدريب الطالب على التعبير الشفهي العلمي بمساعدة ولي أمره.

 

 المواد: هاتف أو مسجل صوت، نص بسيط مكتوب مسبقًا.

 

طريقة التنفيذ:

•    يسجل الطالب وولي أمره مقطعًا صوتيًا يشرحون فيه تجربة علمية أو ظاهرة رقمية بطريقة مبسطة. 

•    تُرفع الحلقات على Anchor أو تُشارك عبر Vocaroo ليستمع إليها الزملاء في الصف.

 

 

 مشروع :تحدي التربية الإعلامية العائلية

 

الهدف: تعزيز التفكير النقدي في التعامل مع الترندات العلمية المنتشرة. 

 

المواد: مقاطع من وسائل التواصل، نموذج تقييم بسيط.

 

طريقة التنفيذ:

 

•    يشاهد الطالب وولي أمره ترندًا رقميًا علميًا 

•    يناقشان  صحته باستخدام نموذج يزوده المعلم (يتضمن أسئلة مثل: ما مصدر المعلومات؟ هل يوجد دليل علمي؟)

 •     مشاركة النتائج على Jamboard أو باستخدام Formative  لعرض آراء الزملاء المختلفة.

 

 

لقد تجاوز التعلم  في الإجازة الصيفية حدود الغرفة الصفية ليصبح جزءًا من الثقافة الرقمية والاقتصاد المعرفي  الجديد، حيث تتداخل العلوم بالحياة وتُستثمر الترندات كفرص للتعلم  لكل طالب فيكون عالمًا صغيرًا في بيته، يتعلم ويبتكر ويشارك المعرفة، وتبقى مسؤوليتنا كمربين أن نوجه هذا الفضول ونصمم أنشطة تعليمية تحفز التساؤل والاكتشاف، فالعلم لم يعد محتوى محفوظًا في الكتب بل رحلة تفاعلية حيّة تبدأ من لحظة دهشة بلون كركم في كوب ماء، وتنتهي بفهم قانون علمي يفسر للعقل الناشئ كيف يعمل هذا العالم.