نشر في: فبراير 9, 2025
يُعَدُّ وقت حديث المعلم داخل الغرفة الصفية أو الفصل الدراسي من القضايا المهمة في العملية التعليمية، حيث يتساءل العديد من المعلمين عن مقدار الوقت الذي يجب أن يتحدثوا فيه مقارنة بالوقت الذي يُتاح للطلبة للمشاركة والتفاعل. في مختلف التخصصات، يميل بعض المعلمين إلى التحدث أكثر من اللازم بهدف توضيح المفاهيم، وتقديم الشروحات، أو التوسع في مادة التعلم، إلا أن هذه الممارسة قد تؤدي إلى تقليل فرص الطلبة في التفاعل والتفكير النقدي، إنّ تحقيق التوازن الصحيح بين حديث المعلم ومشاركة الطلبة يُعد عنصرًا أساسيًا في خلق بيئة تعليمية نشطة وفعالة.
فما الأسباب التي تدفع المعلمين للتحدث أكثر من طلبتهم؟ ثمة أسباب متعددة تدفع المعلمين إلى التحدث أكثر داخل الفصل، منها ما يرتبط بالمعلم ذاته ويتمثل ذلك برغبته في تغطية أكبر قدر ممكن من المحتوى، وضمان فهم الطلبة، والحفاظ على انضباط الصف ومنها ما يرتبط بالطلبة؛ إذ يشعر الطلبة بالتردد في المشاركة بسبب الخوف من ارتكاب الأخطاء أو عدم الثقة بالنفس، مما يجعل المعلم يميل إلى ملء الفراغات في الحوار، وبعضها الآخر يرتبط بطبيعة المادة الدراسية، مثل العلوم والرياضيات، التي تتطلب شروحات مكثفة، مما يزيد من وقت حديث المعلم على حساب وقت مشاركة الطلبة.
ولكن التساؤل الجوهريّ هنا: لماذا من المفيد أن يتحدث الطلبة أكثر ؟ إنّ التربويين يؤشرون في هذا المجال إلى أنّ إتاحة فرصة التعبير للطلبة عن أفكارهم وطرح الأسئلة والمشاركة في النقاشات يعزز الفهم العميق للمادة الدراسية، بصرف النظر عن التخصص. إذ تشير الأبحاث إلى أن التعلم النشط -حيث يكون الطلبة هم المحور الأساسي في العملية التعليمية- يؤدي إلى تحسين استيعابهم واحتفاظهم بالمعلومات، فضلا عن أن تشجيعهم على التحدث يساعدهم في تطوير مهارات التفكير النقدي والتعلم الذاتي وبناء الثقة بالنفس، وهي مهارات ضرورية في جميع التخصصات والمراحل الدراسية.
إنّ الأهمية الكبرى في منح الطلبة وقتًا أكبر في الحديث في ضوء ما يؤشر إليه الأدب التربويّ يدفعنا إلى التفكير في إستراتيجيات لتقليل وقت حديث المعلم، فمن هذه الإستراتيجيات: أولًا طرح أسئلة تحفز التفكير بدلاً من تقديم المعلومات مباشرة، إذ يمكن توجيه أسئلة تثير الفضول وتشجع الطلبة على البحث والمناقشة، مما يساعدهم على تطوير إستراتيجيات التفكير النقدي والتعلم الذاتي. وثانيًا استخدام أساليب التعلم التعاوني، مثل العمل الجماعي أو الأنشطة التفاعلية، حيث يتبادل الطلبة الأفكار بدلاً من الاعتماد على المعلم فقط، مما يزيد من فرص التعلم من الأقران. وثالثًا منح الطلبة وقتًا كافيًا للإجابة عند طرح السؤال؛ فعلى المعلم الانتظار قليلًا قبل تقديم الإجابة من الطالب، ليمنحه فرصة للتفكير والمشاركة، وبالتالي تحسين مستوى المشاركة الصفية.
وفي الخلاصة، إنّ تقليل حديث المعلم لا يعني التقليل من دوره، بل يتعلق بتحقيق التوازن بين التوجيه والإرشاد، وإعطاء الطلبة مساحة أكبر للمشاركة والتفاعل، فعندما يكون التعلم عملية حوارية تفاعلية، يصبح الطلبة أكثر تحفّزًا، وانخراطًا، واستعدادًا لاكتساب المعرفة بطرق أعمق وأكثر فاعلية.
د. عدي عبابنة
مدرس معلمين أول