Picture of the author
Picture of the author
Picture of the author

نشر في: ديسمبر 18, 2024

لُغتنا العربية وكيف نُعيد إليها مجدها

يقول نبينا الكريم: (إنّ من البيان لسِحرًا) وفي حديث آخر: (وإنّ من الشعر لحكمة) فإذا تأملتَ هذه الكلمات: بيان، سحر، شعر، حكمة فأنت حتما ستدرك أن خلف كل كلمة عالم من الروعة والجمال ينتظر منا أن نجوب فيه ونتأمل، ونعطيه حقه، فالجمال يُقدّر، ويُبجّل ويُحترم ويفرض علينا أن نفكر في شتى السبل والطرق للحفاظ عليه. لماذا تتباهى الأمم بلغتها ونتقاعس نحن عن حمل لغتنا نبراسًا يضيء دروب أحاديثنا؟

 

اللهجة العامية تجتاح كل البيوت والمحافل والمدارس والجامعات وقنوات التواصل الاجتماعي. لكن كيف نستطيع بخطوات بسيطة أن نمنح جزءا من يومنا للغتنا العربية؛ لتبقى في قلوبنا وقلوب من حولنا وقلوب أبنائنا؟

 

سأشارك معكم هنا بعضًا مما عشته مع والدي حفظه الله الذي غرس حب هذه اللغة في قلبي ونفسي، وحاولتُ جاهدة غرسه في أسرتي برغم اجتياح التعليم الأجنبي والحواجز التي وضعها بيننا وبين لغتنا في كل محافل الحياة.

 

 

  1. ليكن لك ولأطفالك وردا من القرآن يوميا تقرأه، فقرآننا الكريم نزل بلسانِ عربيّ مبين، ولغتنا وصلت إلى أقاصي الأرض حين كانت ألسنة أطفالنا تنطلق بادئ ذي بدء بقراءة القرآن وفهم معانيه. وليكن وِرد أطفالك بسيطًا ببساطتهم ولا تزده مع العمر فالقليل المستمر خير من الكثير المنقطع. وتأكد أنه سيبدأون بزيادته بأنفسهم دون أن تدفعهم لذلك.

     

  2. ليحفظ أطفالك نشيدهم الوطني كاملًا قبل أي شيء. فكلمات حب الوطن والولاء والقصائد تعقد حبلا متينا ما بين الفخر واللغة، وما بين الوطن واللغة ومابين الهُوية واللغة. فيتجذر فيهم حب لغتهم وحب وطنهم كما الحبر السري تعلم أنه موجود برغم أنك لا تراه، وسيستحضرونه كثيرا في مواقف حياتهم حين يختل ميزانهم أو تجتاحهم أفكارٌ لا تشبههم.

     

  3. حدد وقتا ولو كان قليلا خلال وجبة غداء أو عشاء وتحدث معهم بالعربية الفصحى، وشجعهم على ذلك. ليكن وقت لعبك معهم مشهد تمثيلي تتحدثون به الفصحى. سيعتادون ذلك وسيحبونه ومع الوقت لن تستثقل آذانهم سماع العربية الفصحى ولن يهربوا منها كما هو حال كثير من الشباب اليوم.

     

  4. انتق لهم من الكتب ما يحبون أيًا كان موضوعها ولكن لتكن بالعربية، حدد معهم عدة صفحات لقراءتها، كتابتها على دفتر خاص بهم، ابحث معهم عن معاني الكلمات التي بدت لهم غير مفهومة. استخدم القواميس الإلكترونية المتوفرة على أجهزتهم الذكية.

     

  5. اسمح لهم بمشاهدة الأفلام باللغة العربية المبنية على روايات مكتوبة، ليقرأوا الرواية أولا ومن ثم ليشاهدوا الفيلم إن أحبوا ذلك. فالصورة ستعزز ما قرأوا وسيترسخ لديهم أن اللغة هي أساس كل وسائل التعبير والتواصل، وسيدركون أهمية الكتابة السليمة في إيصال فكرة يريدونها.

     

  6. لتكن ألعابك معهم في أوقات العائلة معتمدة على اللغة العربية لكن بطريقة خفيفة تحببهم وتقربهم، جد كلمات مرادفة للمعنى، جد كلمات ضد المعنى، ما جموع الكلمات الآتية؟ ما مفرد الجموع الآتية؟ نظم مبارزة شعرية بينهم ... كن مبدعا مع أطفالك وأبنائك. اعرف ما يحبون وما يستهويهم وضعه في قالب لعبة يحببهم في لغتهم ويجعلهم يبحرون فيها أكثر.

     

كنا ونحن صغارًا نلعب لعبة سميناها "أسماء الله الحسنى"، كانت تسمية من براءة الطفولة، كان والدي حفظه الله يسلينا بها على دروب السفر، فقد حفظنا أسماء الله الحسنى الـ 99 مرتبة بحسب الحروف الأبجدية، أسماء الله الحسنى التي تبدأ بحرف الألف ... بحرف الباء وهكذا ......... وكنا نطلب منه ونحن صغارا: بابا، لنلعب لعبة أسماء الله الحسنى.
 

هكذا نخبئ بذرة عشق هذه اللغة في صدور أبنائنا، فتكبر وتكبر يومًا بعد يوم، لتغدوا سنديانة أصلها ثابت وفرعها في السماء.



الأستاذة هالة داوود قائد تربوي أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين