أريج نوفل - تمثل العطلة الصيفية محطة حقيقية يتوقف فيها المعلمون والتربويون عن بذل جهود مضنية في روتينات العمل التربوي، من تحضير وتدريس وإشراف على تسيير أعمال المدرسة، وهي من غير شك فسحة من الوقت يستعيدون فيها دافعيتهم نحو العمل قبل البدء بعام دراسي جديد، ويستريحون من عناء المسؤولية وتبعاتها النفسية والجسدية، مما ينعكس إيجابيًا في أدائهم المهني، وقدرتهم على مواجهة التحديات المستقبلية.
مهنة التعليم من المهن الشاقة التي تستلزم جُهدًا جسميًّا وعقليًّا وعصبيًّا، وتزداد مشقة هذه المهنة في أثناء الأزمات، ممّا يستدعي الاهتمام بالصّحّة النّفسيّة للمعلمين والطلبة على السواء، وتنعكس مظاهر الصّحّة النّفسيّة في الفرد في جميع جوانبه الشخصيّة والاجتماعيّة. لقد أكدت منظمة الصحة العالمية أهمية مفهوم الصحة النفسية، وعدّت "الصّحة حالة من اكتمال السّلامة بدنيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز" فالصّحّة النّفسيّة تتجاوز مجرد انعدام الاضطّرابات أو حالات العجز النّفسيّة، إنّها عبارة عن حالة من العافية تمكّن الفرد من تكريس قدراته الخاصّة، والتكيّف مع أنواع الإجهاد العادية، والعمل بتفانٍ وفعالية، والإسهام في مجتمعه.
تعمل الصّحّة النّفسيّة على توطيد القدرة على التكيّف، والتّأثّر، والتّفاعل الإيجابيّ مع الآخرين، والتمتّع بالحياة، وعلى هذا الأساس يصبح تعزيز الصّحّة النّفسيّة وحمايتها واستعادتها على جانب كبير من الأهميّة للأفراد والمجتمعات في أنحاء العالم كلّه، وتنعكس الصحة النفسية في أقوال الأفراد الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة وأفعالهم، فهم سيكونون سعيدين ومقبلين على الحياة، يتطورون بشكل مستمر، ويقومون بتطوير كل شيء من حولهم، أما من لا يتمتع بصحة نفسية جيدة فسيكون أقل شغفًا لملابسات الحياة، وأقل نشاطًا ودافعية، وتسيطر عليه الأفكار المتشائمة، ويهرب إلى الأمام بشكل مستمر متجاوزًا واقعه وظروفه، ويقفز عن مشكلاته.
أهمية العطلة الصيفية
إن العطلة الصيفية هي المدة المثالية التي يأوي إليها التربويون ليستعيدوا فيها عافيتهم النفسية، أو يعملوا على تعزيزها ورفدها بما يُقوّي. فهي تتيح الفرصة للمعلمين والتربويين للابتعاد عن الروتين اليومي، والتفكير في كيفية تحسين أمزجتهم الشخصية وتوازناتهم الاجتماعية والمهنية، فتفضي إلى تعزيز قدراتهم على التعامل مع ضغوط العمل بشكل أفضل عند العودة إلى المدرسة.
وإليك مجموعة من الإستراتيجيات التي يمكنك الاستعانة بها لإعادة شحن دافعيتك، وتحسين صحتك النفسية قبل البدء بالعام الدراسي الجديد؛ لتكون مستعدًا لاستقبال طلبتك:
- 1. الراحة والاسترخاء: أحد أهم الأنشطة التي يمكن القيام بها خلال العطلة الصيفية هو الاسترخاء التام. يمكن للمعلمين قضاء وقت في الأنشطة التي يحبونها مثل القراءة، أو الاستماع إلى الموسيقى، أو حتى الاستمتاع بالطبيعة. الهدف هو تخفيف التوتر واستعادة التوازن النفسي.
- 2. ممارسة الأنشطة البدنية: مثل المشي، والسباحة، وركوب الدراجات والتي تسهم في تحسين الصحة الجسدية والنفسية، حيث تساعد التمارين الرياضية على إفراز هرمونات السعادة مثل الأندورفين الذي يعزز الشعور بالراحة والسعادة.
- 3. التعلم المستمر: العطلة الصيفية فرصة للمعلمين لتطوير مهاراتهم من خلال الالتحاق بدورات تدريبية، أو حضور ورشات عمل، أو حتى القراءة حول موضوعات جديدة، وهذا يسهم في تجديد الدافعية، ويجعل العودة للعمل أكثر حماسًا وإبداعًا.
- 4. التواصل الاجتماعي: التفاعل مع العائلة والأصدقاء يعزز الشعور بالانتماء والدعم الاجتماعي، ويمكن للمعلمين الاستفادة من العطلة للتواصل مع أحبائهم، مما يسهم في تحسين الحالة النفسية وتعزيز الروابط الاجتماعية.
- 5. تحديد أهداف جديدة: يمكن استخدام وقت العطلة لتحديد أهداف شخصية ومهنية للعام الدراسي القادم، وهذا التخطيط المسبق يساعد على بدء العام الجديد بأهداف واضحة ورؤية محددة، مما يعزز الشعور بالدافعية والتحفيز.
إن العطلة الصيفية ليست للراحة فقط، بل هي فرصة حقيقية لاستعادة ألَقِنا النفسي وشحن طاقاتنا وتحسين نفسياتنا. ومن أجل هذا ينبغي علينا تبني إستراتيجيات فعالة تجدد لنا حضورنا النفسي، وتعكسه بإيجابية في أدائنا ومناخات البيئات التعليمية كلّها.